طقوس الضلال الشعبي
هناك الكثير من الطقوس التي تمارس بين العامة من دون أدنى محاولة لمعرفة حقيقة أو كنه الطقوس، أو مدى موافقتها ومخالفتها للشرع، وإذا كان هناك الكثير من المؤلفات التي تبين أن هذا حلال أو ذاك حرام بالدليل الشرعي، فإن تلك المؤلفات قد خلت من الإشارة لأصول وجذور تلك العادات الاجتماعية المتأصلة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية•تلك الطقوس مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالكثير من الموروثات الاجتماعية كالخوف من الحسد والسحر والتنبؤ بالمستقبل، لكن أحداً لم يسأل نفسه: لماذا ومتى؟ بمعنى لماذا تستخدم أدوات بعينها، وبألوان بعينها للتعامل مع تلك الأشياء، فلماذا الخرز؟ ولماذا اللون الأزرق؟ ولماذا البخور؟ ولماذا الكف••• إلخ، ثم متى بُدئ في استخدام تلك الأشياء والاعتقاد فيها• في الأسطر التالية سأحاول الإجابة على تلك الأسئلة بالبحث عن أصول وجذور تلك الطقوس في التاريخ•
1 ـ حكاية الخرزرة الزرقاء
تروي الأسطورة أن الجن يخافون الذئاب، فإذا رأى الجني ذئباً قادماً نحوه تحول إلى صورة حجر كريم خشية أن يراه، فإذا رآه الذئب وبال عليه صار حبيس تلك الصورة، ويبقى على تلك الحال حتى يقع في يد آدمي، فيظهر له في نومه عارضاً عليه خدماته مقابل أن يحرره من صورته المتحولة، وهكذا خلق لدى الناس اعتقاد واسع في قوة وتأثير الأحجار الكريمة، فهي تجلب الرزق، أو تدفع العين، أو تقوي الحال الجنسية عند الرجال•وقديماً آمن قدماء المصريين بأن للحلي قوى وآثاراً سحرية إلى جوار وظيفتها في الزينة، فاتخذوا من الحلي تمائم يعلقونها على مختلف أجزاء أجسادهم، واختلفت التمائم باختلاف الغرض المعلقة من أجله، فهناك تمائم للأحياء، وأخرى للأموات، وتمائم للوقاية من الأمراض وأخرى للوقاية من السحر والحسد والغرق•واختلفت أنواع الحلي المستخدمة حسب اختلاف الحالة الاجتماعية، فالأغنياء استخدموا الحلي المصنوعة من الذهب والأحجار الكريمة، بينما استخدم العامة الخرز المصقول•ويذكر (سيريل الدريد) في كتابه (مجوهرات الفراعنة) أن الحلي التي كانت تُستخدم لتزيين الرقية أو العنق قد تطورت عن شكل بدائي يتمثل في تلك التعويذة التي كانت تتدلى من خيط أو رباط يحيط بالعنق، والتي استخدمها الإنسان البدائي ليقي نفسه من القوى الخفية الموجودة في الطبيعة، والتي كان يعتقد أنها ترسل عليه الأعاصير، والفيضانات والبراكين والزلازل، وتصيبه بالأمراض•ويذكر (ألدريد) أن أكثر التمائم شيوعاً واستخداماً بين المصريين القدماء كانت التميمة أو الرقية المصنوعة من الخرز، وأنه لم تكن هناك أمة من أمم العالم القديم كله مثل مصر التي صنعت هذا القدر العظيم وهذه الكميات الهائلة من الخرز لشعورهم بالجانب الجمالي في أشكال وألوان تلك المواد الطبيعية إلى جانب اعتقادهم في القوى السحرية لتلك الخرزات•أما سر اللون الأزرق فمرده لاعتقاد قدماء المصريين في ثلاثة ألوان، وهي الألوان السائدة في حليهم، الأحمر والأخضر والأزرق، وكان كل لون يرمز لشي: فالأحمر يرمز لحمرة الدم الذي يجري في العروق ويمنح الحياة والنشاط والأخضر يرمز إلى خضرة الزروع التي توفر خيرات الأرض من حبوب وثمار وخضراوات، واللون الأزرق مرتبط بزرقة السماء التي تسبح فيها الشمس (رمز الإله رع عند المصريين القدماء) وتعيش فيها الآلهة وتحمي الإنسان وتباركه•وانتقلت فكرة الاعتقاد بالقوى السحرية للأحجار الكريمة، والخرز من جيل إلى جيل حتى وصلت إلى عالم اليوم دون أن يدري الناس مصدر هذه الفكرة، أو أصول تلك الأسطورة، أو ما أصل استخدام تميمة بعينها للوقاية من شيء بعينه•ولا تزال هناك بعض الشعوب، مثل أهل إيران، والهند والصين يسود بينهم اعتقاد جامح أن (حجر الجاد) يقي صاحبه خطر الإصابة من أمراض القلب، وأن حجر الفيروز يبعد عن صاحبه الكثير من المخاطر والشرور•أما في بلاد النوبة فيتزين الرجال بخاتم به فص أبيض من الأحجار الكريمة، يعتقدون أنه يقي صاحبه من لسع العقارب•وتحتل الخرزة الزرقاء والكف مركز الصدارة في عالم اليوم، فلا يكاد يخلو منها صدر امرأة أو مرآة سيارة، فالناس يعتقدون أن بها قوى سحرية تقي صاحبه وتدرأ عن سيارته الحوادث•والنساء يعتقدن أن الخرز الأزرق والكفوف تقي من الحسد، والكف المعروف (بالخمسة وخميسة) إما يُعلق أو بدلاً منه تدفع المرأة بكف يدها بعد فرد الأصابع الخمسة في وجه من تظنها حسودة مع ذكر العدد خمسة ومضاعفاته أو كلمات مرتبطة به كقولهن (اليوم الخميس) (الطفل وزنه خمسة كيلوغرامات)• والنساء يفعلن ذلك ولا يعلمن أصل هذا الموضوع الذي يعود إلى طقوس السحر التي تؤمن بأن لكلٍّ عدد ولكل حرف خواص، وأن العدد خمسة وكف اليد بها ذبذبات طاقة الدفاع وحتى تمنع الأذى عن جسم الإنسان أو ما يخصه إذا ما دُفعت في وجه الحسود•وفي الأعراس يستخدم الناس البخور، ويرشون الملح، وهم لا يعلمون أصل هذه العادة، لكنهم يمارسونها وتعتبر من الأدوات التي كان يستخدمها السحرة والكهنة في الجاهلية، وكانوا يحرقون البخور أمام الأصنام والسحرة لاسترضاء من يتعاملون معهم من الجن، وتختلف رائحة البخور حسب العمل المطلوب، فإذا كان المطلوب فك سحر، استخدم البخور طيب الرائحة، أما إذا كان المطلوب عمل سحر سيئ فالبخور المستخدم يكون خبيث الرائحة•وفي ريف مصر ابتدع العامة رقية توارثوها جيلاً عن جيل خلطوا فيها بعض جمل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض العبارات المبهمة، ثم وقع في وجدانهم أنها رقية السيدة آمنة بنت وهب للرسول صلى الله عليه وسلم، وعبارات الرقية: (حدارجة بدارجة من كل عين سارجة، يا شجرة بلا ورق الغم والحزن والحسد عنك يتفرق••• أم النبي رقت النبي بالصلاة على النبي اللهم صلى عليه)• ثم تُقص ورقة على شكل آدمي وتوخز بالإبرة مع ذكر عبارة (من عين فلان) ويُسمى الأشخاص وتُكرر العملية حتى تُخرق الورقة كلها ثم تُحرق ويُبخر بها المحسود أو الشخص المراد رقيته•وهذه الطريقة لها أصل بدائي لا يزال يستخدم إلى يومنا هذا بين القبائل البدائية في أفريقيا وحوض الأمازون، إنها طقس من طقوس السحر الأسود يُسمى (سحر الطوطم) حيث يُصنع تمثال من الشمع أو الخشب على هيئة الشخص المراد إيذاؤه ثم يحرق أو يغرس في قلبه سكين أو في جسده إبر ودبابيس مع قراءة بعض الطلاسم لقتل هذا الشخص•൨
ـ الأبراج:
تأمل الإنسان القديم السماء فبهرته زينتها من الكواكب والنجوم، فأخذ يرصدها ويتتبع حركتها حتى أدرك أن لها بروجاً ومنازل، وتخيل لتلك الأبراج أشكالاً فسماها بما تخيل ولا تزال هذه الأسماء متداولة إلى اليوم كالأسد والميزان••• إلخ، ثم ذهب الخيال بالبعض فاعتقد أن هناك معارك تدور بين تلك الأبراج في السماء•وقد اعتقد بعضهم في قديم الزمان، أن الكواكب والنجوم ملائكة الله خلقهم لعمارة السماء، وهم خلفاؤه في أفلاكه كما أن الملوك خلفاؤه في الأرض•ثم تطور هذا الاعتقاد عند بعضهم فعبدها، وأول من عبد النجوم والكواكب (الصابئة) الذين كانوا على عهد سيدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ وعنهم يقول الأستاذ محمد حسين هيكل في كتابه (حياة محمد):>فالصابئون من عباد النجوم، كان لهم سلطان كبير في بلاد العرب، وقد كانوا لا يعبدون النجوم لذاتها، وإنما كانوا في بداءة أمرهم يعبدون الله وحده، ويعظمون النجوم على أنها مظاهر خلقه وقدرته<•واعتقد أن هذه النجوم والكواكب روحانيات محضة إذا كُتب لشخص وتعلقت به فهذا سعده، وإن هذه النجوم والكواكب إنما تُعبد لتقرب إلى الله•وهناك من البشر من ربط قدره بحركة النجوم والكواكب ومواضعها في فلكها، فاعتقد أن الشرف هو آخر موضع للكواكب في فلكه، والهبوط ضده• وقد اشتط بعضهم فقسم الكواكب إلى اثنين نَحِسان، واثنين سَعِدان، واحد ممتزج وإثنان نيران•فالسعدان هما المشترى والزهرة، فإذا استولى الزهرة على مواليد هذه الدنيا دلهم على نعيمها، أما المشترى فهو دليل على سعادة الآخرة•أما الكوكبان النَحِسان فهما (زحل والمريخ)، فزحل نحس الدنيا، والمريخ نحس الآخرة•وعلى الرغم من أن للإيمان بالأبراج جذوراً وثنية، إلا أنك لا تجد صحيفة يومية تخلو من باب حظك اليوم، الذي يؤمن به بعض الجهلة إيماناً لا يتزعزع، ويتأثر به سلباً وإيجاباً•والبحث في الغيب من الأمور التي باتت تشغل عقول الناس وتستحوذ على جزء كبير من تفكيرهم، ولاسيما النساء، وقد تخطى الأمر الأوساط الشعبية إلى الطبقة المخملية، وتحولت صالونات (هوانم اليوم) من صالونات أدبية إلى صالونات لقراءة الطالع•وتختلف طريقة قراءة الطالع من سيدة لأخرى، ومن دجال لآخر، فهناك من يقرأ بالطرق التقليدية: الفنجان، الكوتشينة، الودع•وهناك من استحدث طرقاً أخرى فادعى أنه يقرأ الماضي والحاضر والمستقبل في سلطانية الشوربة، أو على نوى البلح، أو في حذاء الزبون بغض النظر عن الروائح المنبعثة منه•وينقسم قارئو الطالع إلى فريقين: فريق من الدجالين يعتمد على السيطرة النفسية للزبون، وفريق من المتعاملين مع الشياطين والذين ورد ذكرهم في سورة الجن، وفي الحديث الشريف الذي ترويه السيدة عائشة عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة تنزل في العنان ـ وهو السحاب ـ فتذكر الأمر قضي في السماء، فيسترق الشيطان السمع، فيسمعه فيوحيه إلى الكهان، فيكذب معها مئة كذبة من عند أنفسهم) رواه البخاري في صحيحه 01/581•3 ـ العجل والنحس آمن عرب الجاهلية بالجن إيماناً وصل ببعضهم إلى حد التأليه كما فعلت بنو مليح من خزاعة، وكان العرب يخشون الجن ويخافون بطشهم وأذاهم، ذلك أنهم ارتبطوا في أذهانهم بالأماكن الموحشة كالقفار والجبال والكهوف والمغارات والأماكن المهجورة•وقد اعتقد العرب أن للجن سادات وكبراء يحفظون عهدوهم ومواثيقهم لذلك فإنهم يعيذون من استعاذ بهم، ومن ثمَّ كان الواحد منهم إذا ارتحل من مكان إلى مكان أو سافر في رحلة تجارية ونزل بأحد الأودية فإن أول شيء كان يفعله هو الاستعاذة بسيد هذا الوادي من الجن ليحميه، وبالطبع كان يحدث العكس كما ورد في سورة الجن: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً) الجن:6•
وقد اعتقد الجاهليون أن الجن يتلبس الحيوانات ويتخذ من بعضها مطايا سموها (مطايا الجن)، واستثنوا من ذلك الأرانب لحيضها والضباع لقذارتها، كما اعتقدوا أن الجن تركب قرني الثور فاعتقدوا بالقوة السحرية فيها، وفي بعض أجزاء الحيوانات الأخرى فاتخذوها رقى وتمائم، ولإرضاء الجن وتجنب أذاها قدم الجاهليون الذبائح لها•وإذا أراد الإنسان السكن في بيت جديد أو استخراج ماء من بئر حفرها، أو خاف من وجود الجن فيها ذبح ذبيحة يرضي بها الجن حتى لاتصيبه بأذى•ولا تزال عادة الذبح عند البيت الجديد أو السيارة وتلطيخ الجدران بدماء على شكل كف موجودة إلى اليوم، لكن جذورها الجاهلية مجهولة لدى الناس• فالناس يعتقدون أنها أمور عادية لأن العادة جرت أن يروها تحدث كل يوم، فأصبحت من طقوس حياتهم اليومية، وأصبحوا يتواصون بها لفك سحر أو إبعاد نحس، وأصبحت من عادات بعض الأندية الرياضية لفك نحس الهزائم، وبعض الفنانات لضمان نجاح أفلامهن•وتقوم بعض الأمهات بذبح الدجاج على عتبة منزل العريس ورمي أحشائها في البحر ليأكله السمك اعتقاداً بأن ذلك يبطل مفعول السحر ويضمن حياة زوجية سعيد لابنتها•
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق