روى مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط؟! (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)".
وفي الحديث الحسن عن عقبة بن عامر قال: بينا أنا أقود برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نَقب من تلك النقاب، إذ قال لي: "يا عقبة: ألا تَركب؟!". قال: فَأجْلَلْتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أركب مركبه. ثم قال: "يا عُقيب: ألا تركب؟!". قال: فأشفقت أن تكون معصية، قال: فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وركبت هنيهة، ثم ركب، ثم قال: "يا عقيب: ألا أُعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟!". قلت: بلى يا رسول الله. فأقرأني: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، ثم أقيمت الصلاة، فتقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقرأ بهما، ثم مرّ بي فقال: "كيف رأيت يا عقيب؟! اقرأ بهما كلما نمت وكلما قمت". وفي رواية قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: "ما سأل سائل بمثلهما، ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما".
قال العلماء والمفسرون: في سورة الفلق سلامة النفس والبدن، وفي سورة الناس سلامة الدين.
معنى (أَعُوذُ) ألتجئ وأعتصم وأنحرز، بالله من شر كل ذي شر، والعياذة والاستعاذة تكون لدفع الشر،
و المستعاذ به؟! إنه الله رب الكائنات، القوي الحفيظ ، الله رب الفلق- نور الفجر الذي يطرد الظلام- ورب الناس الذي لا ينبغي الاستعاذة إلا به .
والاستعاذة تكون من اربعة اشياء :
الشر الأول: الشر العام في قوله (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) [الفلق: 2]، وهذا يعم كل شر في الدنيا والآخرة،في الدين والدنيا وشر الشياطين والسباع ولاهوام والذنوب والأهواء والشهوات والأعمال. وقوله: (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)، أي من شر كل مخلوق فيه شر.
والشر الثاني: (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) [الفلق: 3]، والغاسق: الليل إذا أقبل ودخل في كل شيء، والغسق الظلمة، والوقوب الدخول؛ والسبب الذي لأجله أمر الله بالاستعاذة من شر الليل هو أن الليل محلّ سلطان الأرواح الشريرة وفيه تنشتر الشياطين، لذلك أمرنا عند دخول الغروب أن ندخل أولادنا إلى البيوت ولا نبقيهم في الخارج؛ لأنها ساعة فوعان الجن؛كما جاء الحديث الصحيح.(إذا جاء الليل او امسيتم ..)
والشر الثالث: (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) [الفلق: 4]، وهذا الشر هو شر السحر؛ فإن النفاثات هنّ السواحر اللاتي يعقدن الخيوط، وينفثن على كل عقدة حتى ينعقد ما يردن من السحر،.
الشر الرابع: (مِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَد) [الفلق: 5]، وقد دلّ القرآن والسنة على أن نفس حسد الحاسد يؤذي المحسود، فإن لم يستعِذْ بالله ويتحصن به ويكون له أوراد في الأذكار والدعوات، والتوجه إلى الله والإقبال عليه بحيث يدفع عنه من شره بمقدار توجهه وإقباله على الله، وإلا ناله شر الحاسد ولا بدّ، وفي الحديث الصحيح في رقية جبريل -عليه السلام- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسدٍ، الله يشفيك".
وقيل للحسن البصري: "أيحسد المؤمن؟! قال: ما أنساك إخوة يوسف".
لذلك تعد سورة الفلق من أكبر أدوية المحسود والمسحور والمعيون؛ فإنها تتضمن الإلتجاء إلى الله والتوكل عليه والاستعاذة به .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق